الرأسمالية المتوحشة- الإنسان أداة، والإبادة الجماعية وسيلة لتحقيق الأرباح

المؤلف: عبداللطيف الضويحي10.02.2025
الرأسمالية المتوحشة- الإنسان أداة، والإبادة الجماعية وسيلة لتحقيق الأرباح

إن المصائب التي نشهدها اليوم ليست خاتمة المطاف، بل هي إرهاصات لما هو أعظم، فالمستقبل يحمل في طياته تحديات جمة للإنسانية، فجوهر الإنسان في تراجع مستمر أمام جبروت الأنظمة الآلية والذكاء الاصطناعي، وما ينتج عن ذلك من تنافس محموم يؤدي إلى سباق نحو تعزيز الكفاءات وتقليل النفقات، هذا التوجه لا يقتصر على الشركات فحسب، بل يمتد ليشمل العلاقات المتدهورة بين الدول والمجتمعات، وما تطفو به فضاءات التواصل الاجتماعي من سموم عابرة للحدود ما هي إلا مقدمات لما سيأتي مع اشتداد وطأة الرأسمالية المتوحشة، حيث يظل الإنسان ضحيتها الأبدية، فهو مجرد وسيلة لتحقيق مصالحها. ليس من قبيل المصادفة هذا التدهور الذي تشهده العلاقات الأمريكية-الأوروبية والدولية عمومًا، فالقوانين الدولية التي وضعتها الدول الاستعمارية الغربية لمصلحتها، والتي فرضتها على العالم أجمع، باتت حبرًا على ورق، في مواجهة الرأسمالية المستعرة التي تغذيها التكنولوجيا المتنامية والذكاء الاصطناعي، وهذا الواقع الجديد ينذر بحرب عالمية ثالثة، ليست بسبب أوكرانيا أو تايوان أو فلسطين، بل بسبب المنافسة الاقتصادية الشرسة بين أمريكا وأوروبا والصين ودول البريكس. إن تاريخ أمريكا لا يشجع على التفاؤل بشأن السلام العالمي، فالمعادن والثروات الطبيعية النادرة في أوروبا وأفريقيا أصبحت أساس الاقتصاد في المستقبل المنظور، مما يجعل جهود إخماد الحرائق المشتعلة في مناطق مختلفة من العالم مجرد حلول مؤقتة. إن تسريح الشركات العملاقة في الدول الرأسمالية لآلاف الموظفين، هو نفس المنطق الذي يدفع حكومات هذه الدول إلى طرد اللاجئين وترحيل المهاجرين، على الرغم من قيمتهم الاقتصادية التي كانت تعتبر "أصولًا رأسمالية" قبل ثورة الذكاء الاصطناعي وأتمتة الشركات. في عالم الرأسمالية، يُنظر إلى الإنسان كمجرد أداة لتحقيق الأرباح والنمو الاقتصادي، وما يمر به الأفراد في الدول الرأسمالية يؤكد هذه الحقيقة المرة، فالإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون بمشاركة فاعلة من الدول الغربية تتفق مع مبادئ الرأسمالية، ولا تتعارض معها، فكل من اليمين واليسار يتفقان ضمنيًا على هذا الأمر، فالأول يرى في الإبادة الجماعية وسيلة، بينما يراها الثاني غاية. إن الإبادة الجماعية للفلسطينيين هي نفس الدافع الذي يقف وراء تسريح الشركات لمئات الآلاف من الموظفين، وطرد الدول لملايين المهاجرين، بعد أن فقدوا قيمتهم الاقتصادية في ظل الذكاء الاصطناعي والأتمتة، حيث أصبحت المعادن النادرة بديلاً اقتصاديًا أكثر جدوى من الحروب العسكرية، وفقًا للنسخة الجديدة من الرأسمالية المتوحشة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة